مقدمة عن حكم ضرب الدف والطبل في الإسلام
إن المتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن ضرب الدف والطبل كان مباحًا في صدر الإسلام، خاصة في الأعياد والمناسبات السعيدة. وقد عُرِف هذا في عدد من الأدلة التي جاءت في الكتب الإسلامية، سواء من حيث النقل أو القياس على أفعال الصحابة والتابعين. من بين من درسوا هذه القضية بشكل مفصل الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، حيث تناول هذا الموضوع بتفصيل وحقق فيه، مؤكداً على جواز ضرب الدف والطبل في العديد من المناسبات.
النقل الديني والإباحة
من أبرز الأدلة على إباحة ضرب الدف والطبل في الإسلام ما ذكره الغزالي في كتابه، حيث ساق العديد من الأحاديث التي تدل على جواز هذا الفعل. على سبيل المثال، في مناسبة قدوم النبي ﷺ إلى المدينة، قامت النساء بضرب الدف وأنشدن أغاني فرح، مثل:
“طلـع البـدر علينــا من ثنيـات الـوداع
وجب الشكر علينــا ما دعــا لله داع”.
هذا إظهار للفرح في وقت السعادة، وهو ليس محرمًا في سياق مناسبات الفرح المباحة. كذلك في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، عندما دخل أبو بكر على عائشة في يوم من أيام منى فوجد جاريتين تضربان بالدف، فنهاهما أبو بكر، فقال رسول الله ﷺ: “دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد”. كما أن السيدة عائشة روت في الحديث أن رسول الله ﷺ استمتع بمشاهدتهنّ للرقص واللعب في يوم العيد.
الرخصة في السماع والضرب بالدف
الغزالي يستعرض هذه الأدلة ليبين أن ضرب الدف والغناء ليس محرمًا في الإسلام. ويُستدل على ذلك بما روي عن بريدة عندما سأل رسول الله ﷺ عن جارية نذرت أن تضرب بالدف إذا عاد سالماً، فأجاب ﷺ: “إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا”. هذا يشير إلى جواز نذر ضرب الدف في بعض المناسبات، وهو ما يعزز القول بأن استخدام الدف في مناسبات مثل الأعراس والمناسبات الدينية الأخرى مباح.
الضرب بالدف كوسيلة لإظهار الفرح
يُفصل الغزالي في موضوع الدف ويشير إلى أن هذه الآلة ليست محظورة، بل هي في بعض الحالات مستحبة. في حديث آخر، ورد عن رسول الله ﷺ قوله: “الفصل بين الحلال والحرام الصوت وضرب الدف”، وهذا كان دليلاً على أن الضرب بالدف كان يُستخدم لإعلان مناسبة مثل الزواج أو العيد. هذا يدحض الفكرة القائلة إن استخدام الآلات الموسيقية محرم، بل إن الدف يعتبر من وسائل إعلان الفرح والأعياد، مما يجعلها محبوبة في هذا السياق.
القياس الشرعي على الآلات الموسيقية
في مسألة السماع وضرب الآلات الموسيقية، يوضح الغزالي أنه لا يوجد دليل شرعي يحظر ضرب الدف أو سماع الموسيقى باستثناء الآلات التي ترتبط بالمجتمعات الفاسدة مثل المزامير والأوتار. أما في حالة الطبول والدف، فيعتبرها الغزالي من الأمور المباحة. كما يشير إلى أن الأصوات الموسيقية تنبع من الطبيعة، كصوت الطيور الجميلة، ولذلك فإنها في جوهرها طيبة وموزونة.
آثار ضرب الدف والطبلة في القلب
الغزالي يتحدث عن الآثار النفسية والروحية التي تترتب على سماع هذه الآلات، فيعتبر أن لها تأثيرًا إيجابيًا في القلب خاصة عندما يتم سماعها في أوقات السرور والفرح. من أبرز الأمثلة التي ذكرها، غناء الحجيج في الحج الذي يدور حول الكعبة والمقام وزمزم، مما يثير الشوق ويحفز الأفراد على العبادة والطاعة. كما يرى أن الصوت الطيب والنغمات الموزونة تزيد من تأثير الكلمات وتعمق أثرها في القلوب.
خاتمة
خلال هذا البحث في حكم ضرب الدف والطبل في الإسلام، يمكن القول إن معظم الأدلة الشرعية تشير إلى أن هذا الفعل ليس محرمًا، بل هو مباح ومحبب في الكثير من المناسبات مثل الأعراس والأعياد، ويعد من وسائل إعلان الفرح. ومع ذلك، يجب التفريق بين الآلات التي تستخدم في السياقات الدينية والاجتماعية والتي تتماشى مع روح الشريعة، وبين الآلات التي تستخدم في سياقات لا تتماشى مع القيم الإسلامية.