التصوف: علم معرفة الله وارتباطه بالنفس البشرية

يعرّف حضرة السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزان (قدس الله سره) التصوف بأنه علم معرفة الله سبحانه وتعالى. هذا العلم يبحث في الوصول إلى الحقيقة المطلقة التي ليس وراءها شيء، ويبدأ هذا الطريق من معرفة النفس البشرية. حيث تعتبر القاعدة الثابتة لدى الصوفية هي الحديث المشهور: “من عرف نفسه فقد عرف ربه”. وبالتالي، هناك تلازم معرفي بين الحقيقة المطلقة (الله) والحقيقة المقيدة (النفس). وهذا التلازم بين الله والنفس أشار إليه الصوفيون كثيرًا في مؤلفاتهم، خاصة عندما تحدثوا عن الخلق الأول وكيف نفخ الله في آدم من روحه. فكان الإنسان بهذه النفخة مميزًا عن غيره من الكائنات، وكانت وسيلته للمعرفة الإلهية.

 المعرفة الصوفية: أكثر من مجرد معلومات

المعرفة في التصوف لا تعني فقط المعرفة العلمية المعلوماتية، بل تعني معرفة روحية تتجاوز الأبعاد الحسية. على سبيل المثال، لا يمكن للإنسان أن يعرف صفة السمع الإلهي إلا إذا تحقق بشيء من هذه الصفة الإلهية المطلقة. كما أن الحديث القدسي الذي يشير إلى أن الله يهب لعبده سمعه وبصره ويده عندما يتقرب إليه بالنوافل هو دليل على كيفية تحقق الإنسان من الصفات الإلهية في حياته. يقول الله في الحديث القدسي: “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّه”.

 الفناء في الله: الوصول إلى القدرة الإلهية

الفناء في الله هو مرحلة من المعرفة التي يُمكن للعبد الوصول إليها عندما ينقلب من قدرة بشرية محدودة إلى قدرة إلهية مطلقة. عندها، يمكن للعبد أن يطّلع ويفعل بالقدرة الإلهية، حيث يصبح قادرًا على فعل ما يعجز البشر عنه. هذه القدرة الروحية، كما يطلق عليها الشيخ محمد المحمد الكسنزان (قدس الله سره)، هي قوة غير مادية، ولا يمكن التحقق منها بالوسائل العلمية المتاحة. فهي قوة لا يمكن قياسها في الأبعاد الحسية.

 القوة الروحية: الوعي الروحي الذي يتجاوز المادة

ينطلق التصوف الإسلامي والطريقة الكسنزانية في تعاملهما مع الخوارق من مفهوم خاص عن الكون والوجود. هذه النظرة الروحية تتجاوز حدود المادة وتتعلق بوعي مفارق للمادة، وهو الوعي الذي يعتبره الصوفيون خيطًا متصلًا في نسيج الوجود المادي كله. هذا الوعي الروحي يتيح للإنسان التواصل بين العوالم المادية واللامادية، ويتمثل في القوة الروحية التي يتمتع بها مشايخ الطريقة الكسنزانية.

 الحقيقة النورانية المحمدية: الوسيط الروحي بين الله والمخلوقات

الحقيقة النورانية المحمدية، كما يصفها الشيخ المحمد الكسنزان، هي النور الذي يستمد وجوده من ذات الله سبحانه وتعالى ويمد العوالم والموجودات بوجودها. هذه الحقيقة هي الوسيط الروحي بين الله والمخلوقات. فهي التي تمثل الطاقة الروحية التي تربط بين الخالق والمخلوق وتفتح الطريق للمعرفة الروحية عبر النور المحمدي.

 الطريقة في الشريعة الإسلامية: التصوف كجزء من الدين

يطرح السؤال التقليدي حول متى ظهرت الطريقة في الإسلام، ولماذا لم يتم الإشارة إليها بوضوح في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ يجيب الشيخ محمد المحمد الكسنزان (قدس الله سره) على هذا السؤال بالقول: “إن مصطلح الطريقة لم يكن مشهورًا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه كان موجودًا جوهريًا في حياته وفي الصحابة.” الطريقة كانت موجودة بشكل غير مسمّى في العصر الأول ولكن لم تظهر تسمية “الطريقة” إلا بعد الحاجة إليها في القرون اللاحقة.

 الطريقة وأركان الدين: تطبيق الإسلام والإيمان والإحسان

الطريقة ليست مجرد تطبيق لمقام الإحسان كما يعتقد البعض، بل هي تطبيق شامل لأركان الدين الثلاثة: الإسلام، الإيمان، والإحسان. فالمعرفة الحقيقية والاتباع الكامل لدين الله يكون عبر هذه الأركان، وهي تمثل التطبيق الأمثل لهذه الأركان بشكل متكامل. الطريقة، حسب الشيخ المحمد الكسنزان، هي التعبير الروحي الأمثل الذي يجسد هذه الأركان بشكل عملي.

 الاستقامة: الموازنة بين الإيمان والعمل

الاستقامة هي موازنة بين الإيمان والعمل، وهي تحقيق الاعتدال في السلوك والأخلاق. يقول الشيخ المحمد الكسنزان (قدس الله سره) أن الاستقامة تتطلب أن يكون المسلم مستقيماً في سلوكه وفي تطبيق إيمانه في حياته العملية. في الحديث النبوي، يُطلب من المسلم أن يقول “آمنت بالله” ثم أن “يستقيم”، وهو ما يربط بين العقيدة والسلوك بشكل وثيق.

 الصراط المستقيم: التطبيق الواقعي للطريقة

يشير الشيخ المحمد الكسنزان (قدس الله سره) إلى أن الطريقة هي الصراط المستقيم الذي يسير عليه المؤمن في الدنيا كما هو في الآخرة. فكلما التزم المريد بمبادئ الطريقة وعمل بها، فإنه يقترب أكثر من الصراط المستقيم في حياته اليومية وفي الآخرة. وهذا يشمل الابتعاد عن المحرمات والشبهات وتطبيق التعليمات الإلهية في حياته اليومية، مما يضمن له عبوراً سهلاً على الصراط في يوم القيامة.

 الطريقة والاستقامة في الحياة: تطبيق الشريعة الإسلامية

من خلال السير على الطريقة، يكون المريد قد التزم بالشريعة الإسلامية بالكامل، مما يضمن له الاستقامة في سلوكه والنجاح في الدنيا والآخرة. الطريقة ليست فقط في العبادة، بل هي في التعامل مع الناس، وفي تربية النفس على القيم الإيمانية والأخلاق الحميدة.