ما هي الكرامات الصوفية؟ تعريف وتأصيل في التراث الصوفي

الكرامات الصوفية هي ظواهر غير طبيعية تحدث لبعض المتصوفين نتيجة لقوة إيمانهم واتباعهم الطريق الروحي. وقد عرّفها الإمام القشيري في “الرسالة القشيرية” بأنها “خوارق تظهر على يد وليّ مصدّق، غير مدعٍ للنبوة، مقرّ بالشريعة” (الرسالة القشيرية، صـ 125). تعتبر الكرامات علامة على قرب الشخص من الله وتفتح له أبواب البركة والمغفرة.

في التراث الصوفي، يُعتقد أن الكرامات هي هبات إلهية يمنحها الله للأولياء الصالحين كعلامة على صدق إيمانهم واتباعهم للشرع، كما يؤكد ذلك الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين” حيث يرى أن الكرامة لا تنفصل عن التقوى والإخلاص في العبادة.

تتنوع الكرامات بين شفاء المرضى، الطيران في الهواء، ومعرفة الغيب، ولكن كما يشير الشيخ عبد القادر الجيلاني في “الفتح الرباني”، فإن هذه الكرامات ليست الهدف، بل هي مجرد ثمرة من ثمرات الصدق في التوكل على الله والسير نحوه.

الفرق بين الكرامات والمعجزات: فهم عميق للظواهر الروحية

المعجزات والكرامات تشتركان في كونها أمورًا خارقة للعادة، لكن تختلفان في المصدر والغاية. المعجزات تخصّ الأنبياء، أما الكرامات فتخصّ الأولياء، كما يوضح ابن تيمية في كتابه “الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان”. ويضيف أن الكرامات لا تستلزم النبوة، بل تدل على صدق الولاية.

وفي السياق ذاته، يشدد الشيخ الهجويري في “كشف المحجوب” على أن الكرامة ليست دليلاً على مرتبة روحية عالية بقدر ما هي علامة على صدق الإيمان والنية، ولذلك لا يحرص الصوفي الحقيقي على طلب الكرامات، بل يزهد فيها.

أمثلة مشهورة للكرامات الصوفية في تاريخ التصوف

وردت الكثير من الكرامات في كتب الصوفية، منها ما نُسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني من شفاء المرضى ومخاطبة الحيوانات، كما في “قلائد الجواهر” و”الفتح الرباني”. ويُروى عن الشيخ إبراهيم بن أدهم أنه كان يرى ما في قلوب الناس بسبب صفاء سريرته. كما يُقال عن الإمام الحسن البصري أنه كان يُخْبَر بأمور لم يطّلع عليها أحد، وقد أشار إلى ذلك ابن الجوزي في “صفة الصفوة”.

ومن أعجب ما رُوي، ما ذكره المتصوفة عن الشيخ محيي الدين بن عربي في “الفتوحات المكية”، أنه أضاء له الليل بنور يده، في حادثة فسّرها لاحقًا بأنها نور البصيرة وليس بالضرورة نورًا حسيًّا.

الكرامات وسيلة لا غاية

يرى الصوفية أن الكرامات وسيلة للتقرب إلى الله وليست هدفًا بحد ذاتها. يقول الإمام الغزالي: “من التفت إلى الكرامات حُجب عن المقامات”، أي أن التركيز على الكرامة يُبعد الصوفي عن طريق الإخلاص. ولذلك كان كبار الصوفية يُخفون كراماتهم، كما فعل أبو يزيد البسطامي الذي كان يقول: “لو ظهرت كرامتي فادفنوني حيًا”.

أثر الكرامات في المجتمعات الإسلامية

لعبت الكرامات دورًا اجتماعيًا وتربويًا كبيرًا، كما يوضح ابن خلدون في “المقدمة”، حيث يرى أن الصوفية ساهموا في نشر الأخلاق والتربية، وكانت الزوايا الصوفية مراكز تعليمية وجذب للناس. كثير من الناس آمنوا بالتصوف من خلال مشاهدتهم للكرامات أو سماعهم عنها.

هل الكرامات ضرورية للسلوك الروحي؟

يؤكد القشيري في “رسالته” أن الكرامة لا تُطلب، وإنما تُعطى لمن صدق في السير. وبهذا المعنى، فإن المريد لا يحتاج إلى الكرامات ليترقى روحيًا، بل يحتاج إلى الإخلاص والتقوى. فكما قال الجُنيد البغدادي: “الطريق إلى الله مسدود إلا على من اقتفى أثر الرسول”.

التفسير النفسي للكرامات

بعض الباحثين المعاصرين يرون أن الكرامات يمكن تفسيرها نفسيًا بأنها ناتجة عن التركيز الروحي العميق والتأمل، وهي حالة وعي متقدمة. وهذا يتماشى مع ما ذكره كارل يونغ عن “اللاوعي الجمعي”، حيث يمكن أن تحدث تجليات روحية نتيجة التفاعل بين الإيمان والعقل الباطن.

الكرامات في العصر الحديث

اليوم، تنقسم الآراء حول الكرامات. فبعض العلماء يشككون فيها، والبعض يرى أنها جزء من التراث الروحي الذي لا يجب إنكاره ما دام لا يتعارض مع الشريعة. وقد أشار الشيخ سعيد حوّى في كتابه “التربية الروحية” إلى أن الكرامات، وإن لم تثبت علميًا، فإنها تؤثر نفسيًا وروحيًا في الناس وتُعزز الإيمان.

المراجع المعتمدة:

  1. الإمام القشيري، الرسالة القشيرية
  2. الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين
  3. الشيخ عبد القادر الجيلاني، الفتح الرباني
  4. ابن تيمية، الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
  5. الشيخ الهجويري، كشف المحجوب
  6. ابن خلدون، المقدمة
  7. محيي الدين بن عربي، الفتوحات المكية
  8. ابن الجوزي، صفة الصفوة
  9. سعيد حوّى، التربية الروحية
  10. عبد الكريم الجيلي، الإنسان الكامل