الحديث الشريف عن معادن الناس:
قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ قال: “أكرمهم: أتقاهم.” قالوا: يا نبي الله، ليس عن هذا نسألك. قال: “فأكرم الناس يوسف نبيُّ الله، ابن نبيَّ الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله.” قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: “أفعن معادن العرب تسألونني؟” قالوا: نعم. قال: “فخياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام إذا فقهوا.”
هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ويعتبر نقطة انطلاق لفهم معادن الناس. المعدن في هذا السياق يشير إلى ما في قلب الإنسان من خصال ومبادئ، وكل إنسان لديه معدن خاص به، فمنهم من يكون معدنهم نفيساً ومنهم من يكون معدنهم خسيساً.
نفاسة الناس وخستهم:
النفاسة والخسة في معادن الناس لا علاقة لها بالنسب والحسب والقبيلة أو الدولة، بل هي بحسب ما معهم من التقوى والدين والخوف من الله. فالتقوى والالتزام بأحكام الإسلام، بالإضافة إلى محاسن الأخلاق مثل العفة والحلم والمروءة، هي التي تحدد نفاسة الإنسان.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من بطئ به عمله لم يسرع به نسبه.” كما ورد في الحديث: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم.” الحديث هنا يوضح أن الأكرم ليس هو من ينتمي إلى نسب عريق، وإنما من يلتزم بتقوى الله تعالى.
التصنيف الصحيح للناس:
قد يعترض البعض قائلاً: لماذا تصنفون الناس؟ نحن نعلم أن تصنيف الناس أمر مذموم، ولكن التصنيف هنا يجب أن يكون على أساس القرب والبعد عن أحكام الله ورسوله، وليس بناءً على النعرات الجاهلية القبلية. ففي القرآن الكريم، نجد أن الله تعالى قد صنف الناس في عدة آيات، مثل آية: “ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ”【2】، وأيضاً في الآية: “ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله.”
هذا التصنيف يعتمد على تقوى الله وأعمال الناس، وليس على أصولهم أو قبائلهم.
مفهوم معادن الناس في القرآن الكريم:
في القرآن الكريم، ذكر الله تعالى معادن الناس بوضوح في عدة آيات. ففي سورة البقرة، نجد أن الله قسم الناس إلى ثلاث فئات:
- فئة تؤمن بالله
- فئة كافرة
- فئة جائرة مترددة مخادعة وهم المنافقون.
وفي سورة براءة، نجد تقسيمات أخرى مشابهة في تحديد معادن الناس، مثل: من يقول “إئذن لي ولا تفتني” و من يتبع الحق، ومن يرفضه.
كما أن الله تعالى أشار في بعض الآيات إلى معادن الناس بمقارنة بعضهم بالحيوانات، مثل الكلب والحمار. فقال تعالى: “إن الذين كذبوا بآياتنا كانوا يظلمون أنفسهم”【5】، وأيضاً قال: “كمثل الحمار يحمل أسفاراً”【6】.
أثر معرفة معادن الناس في الدعوة والإصلاح:
من المهم معرفة معادن الناس، خاصة في مجال الدعوة والإصلاح، لأنه لا يمكن العمل على إصلاح الناس دون معرفة طبائعهم وأخلاقهم. لقد اهتم السلف الصالح بهذا الجانب لحفظ الشريعة وتوثيق نقل الأخبار والآثار.
من خلال معرفة معادن الناس، يمكن التمييز بين الشخصيات المختلفة. ومن هذه العلامات التي تظهر على الجوارح يمكننا معرفة معدنه، مثل:
- من يغلب عليه الخوف ويشعر بالبكاء عند سماع آيات الوعيد، فهو من الخائفين.
- من يشعر بالسرور والفرح عند سماع آيات الوعد، فهو من الراجين.
أمثلة على معادن الناس:
- المحبون للعلم والذكر: من يغلب عليه حب العلم والذكر والعبادة، فهو مريد يسعى للاقتراب من الله سبحانه وتعالى.
- المنافقون: من يغلب عليه الطعن في العلماء والدعاة، وتدنيس السمعة الطيبة للمؤمنين، فاعلم أنه من المنافقين الذين يحاربون الدعوة.
- الدعاة المخلصون: من يهتم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعمل بما يدعو إليه، فهو من الدعاة المخلصين الذين يسعون لتغيير الأمة إلى الأفضل.
الحديث عن الفئة المخلصة:
في الحديث النبوي، نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا”【7】.
هذا الحديث يعكس صفات الفئة المخلصة التي تسعى للخير والبر والصلاح.
خاتمة:
من خلال الحديث عن معادن الناس، نتعلم أن الفضل ليس في النسب أو القبيلة، وإنما في التقوى والعمل الصالح. يجب أن نعلم أن التصنيف الذي يتعلق بقرب الإنسان من الله ورسوله هو تصنيف جائز إذا كان الهدف هو الإصلاح والنهوض بالأمة، بعيداً عن التصنيفات الجاهلية.