أولاً: الإشارات القرآنية والنبوية المطهرة إلى الحركة في الذكر
الإشارة القرآنية إلى جواز الحركة في الذكر
ورد في القرآن الكريم إشارة إلى جواز الحركة أثناء الذكر في قوله تعالى:
“الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ”【1】.
يُظهر هذا النص القرآني جواز ذكر الله تعالى في حالات مختلفة مثل القيام، القعود، والاتكاء على الجنب، مما يعني أن الذكر يمكن أن يترافق مع الحركة، سواء كانت بدنية أو روحية، وهذا يشير إلى مرونة الطريقة التي يمكن أن يتم بها الذكر.
وقال الله تعالى أيضًا:
“أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ”【2】.
هذه الآية تشير إلى أن كل شيء يتبع حركة معينة من الظلال التي تتحرك في اتجاهات معينة، وهذه الحركة تدل على السجود والخضوع لله تعالى.
الإشارة النبوية إلى جواز الحركة في الذكر
تثبت السنة النبوية جواز الحركة أثناء الذكر. فقد أخرج الإمام أحمد في سنده والحافظ المقدسي عن أنس رضي الله عنه قال:
كان أهل الحبشة يرقصون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: “محمد عبد صالح”.
فلما رآهم في تلك الحالة، لم ينكر عليهم، بل أقرهم على ذلك. والمعلوم أن الأحكام الشرعية تؤخذ من قول النبي ﷺ وفعله وتقريره، وبالتالي جواز الاهتزاز بالذكر، حيث يساعد ذلك على تحفيز الجسم ويسهم في حضور القلب مع الله تعالى.
إشارة مشايخ الصوفية إلى جواز الحركة في الذكر
- قال الشيخ أبو علي الدقاق: “الحركة بركة، حركات الظواهر توجب بركات السرائر.”【5】
- وقال الشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر القادري: “ما لم يرد فيه نص ووافق أصول الشريعة قبلناه.”【6】
- وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني: “الحركة في الذكر ليست محرمًا، بل يمكن أن تكون سببًا في الوصول إلى الله.”
ثانيًا: أهمية وفوائد الحركة في الذكر
الحركة من أسباب الحضور
قال الشيخ أبو بكر الحنبلي رحمه الله: “أما الوقف في الذكر والحركة فيه، فهو من أسباب الحضور.”【8】.
بمعنى أن الحركة تساعد الذاكر على تواجد قلبه وحواسه مع الله، مما يزيد من تأثير الذكر في نفسه.
لطرد الوساوس والخطرات
قال بعض السلف: “العزم في الحركة شغل الذاكر عن غيره من الخواطر الرديئة.”
الحركة أثناء الذكر تساعد المريد على التركيز على الذكر نفسه، وتمنع تداخل الأفكار السلبية أو الوساوس.
تمييز الصفات الحميدة من الصفات الذميمة
قال الشيخ جمال الدين عبد الله البسطامي: “الحركة في الذكر تميز الصفات الحميدة من الصفات الذميمة في نفس المريد.”
الحركة تمثل التفاعل الجسدي الذي يساعد المريد على فرز خواطره الداخلية وتحديد ما هو صالح ونافع.
إيصال تأثير الذكر إلى القلب والجسد
قال بعض المشايخ: “إن القوة الشديدة في الذكر هي التي تصل أثر الله إلى سائر الجسد.”【9】.
الحركة تعمل على نقل تأثير الذكر إلى جميع أنحاء الجسم، مما يتيح للذكر أن يؤثر في كل خلية في الجسد ويجعل الذاكر يشعر بالقرب الروحي من الله.
تنشيط الجسم لذكر الله تعالى
الحركة تساهم في تنشيط الجسم، مما يجعل الذكر أكثر فعالية في تحفيز الروح والجسد على التفاعل مع الذكر والتفاعل مع الطاقة الروحية.
ثالثًا: الحركة في أذكار الطريقة الكسنزانية
1. الحركات المصاحبة للأوراد اليومية
هذه الحركات تتضمن سحب الرأس من منطقة أسفل الحجاب الحاجز ورفعها نحو الكتف الأيمن ثم سحبها يسارًا نحو القلب.
هذه الحركات تشبه عملية “الضرب بالمطرقة على الصخر” كناية عن تنقية القلب وتصفية الروح من الغفلة.
2. الحركات المصاحبة للذكر الرسمي في التكايا الكسنزانية
تبدأ هذه الحركات بترديد أوراد مثل: “الله استغفر الله دائم استغفر الله” مع تحريك الرأس في الاتجاهات المقررة من الشيخ.
تتضمن الحركات أيضًا التوجه والركوع والانحناء في حضرة الله تعبيرًا عن الخضوع والتذلل لله.
أهمية حركات الذكر وبعض فوائدها الروحية في طريقتنا
- تطبيق عملي لقوله تعالى: “الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ”【12】.
- البركة للجسم كله: حركة الذكر، خاصة مع ضربات الطبلة والدف، تشارك كل خلايا الجسم في الذكر وتتنور بنور ذكر الله.
- الخضوع والتذلل لله: الحركة تُمثل تنازلًا عن الكبرياء والعلو، حيث يخلع الذاكر من نفسه كل شهوات الدنيا في تذلل كامل لله.
- تحقيق الفوائد الروحية: بما أن الذكر يطهر القلب، فإن الحركات المقرونة بالذكر تعمل على رفع النفس إلى المقامات العليا وتحقيق الرقي الروحي.
الخلاصة
تعتبر الحركة في الذكر جزءًا أساسيًا في الطريقة الكسنزانية. فهي ليست مجرد حركات جسدية، بل هي تفاعل روحي يسهم في تقوية الصلة بالله تعالى. الحركة تُساعد الذاكر على التفاعل الكامل مع الذكر وتؤدي إلى تطهير الروح وجعلها مستعدة لاستقبال نور الله سبحانه وتعالى.