من الجوانب الهامة لفهم منهج الطریقة هو دراسة العلاقة بين العبادات فی الطریقة والشریعة

تُعد الشریعة أساسًا لعبادات محدّة من حيث الوقت والنوع، مثل الصلاة اليومية وصيام رمضان. ومع ذلک، فهذه العبادات لا تمثل کل ما یجب علی الإنسان من واجبات تجاه ربه. یتمثل ذلک بوضوح فی حیاة الرسول ﷺ الذی کان یواصل أداء العدید من العبادات الإضافیة (النوافل) إلی جانب الفروض. ففي الآية الكريمة: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا» . نوافله كانت أكثر بكثير من فروض الشريعة التي كان يواظب علي أداءها، مما يعكس نهج الطريقة في تسامي الروح والوصول إلي طهارة وكمال. كما ذكر المحاسبي في كتابه «المحبة»، فإن سالكي الطريقة هم أطباء نفسيون يعملون على شفاء قلوب الآخرين.

التصوف كأخلاق وأسلوب حياة

الطريقة ليست مجرد نصوص نظرية بل هي أخلاق حية تُطبَّق في الحياة اليومية. كما قال أبو الحسين النوري: «التصوف ليس نصوصاً وعلماً نظرية، بل هو أخلاق، أي قاعدة للحياة والمجتمع». وأكد الشيخ الجنيد البغدادي أن التصوف يتجسد في استحضار الأخلاق الحسنة وترك الأخلاق السيئة. فالتصوف یعنی مراقبة الأحوال واتباع الأدب فی جمیع المواقف، حيث أن كل وقت وكل حال له أدب خاص به. ويعني المريد الذي يتبع الطريقة أن يكون في سلوكه متأدباً مع الله ومع خلقه.

طریقة التصوف: نهج نحو تهذیب النفس

الطريقة تطلب أن يكون المريد متسلحًا بقيم روحية تعينه علي مقابلهة الحياة المادية، فتحقق له التوازن النفسي ويصبح قادرًا علي تجاوز مصاعب الحياة. فهي تعلم الإنسان أن يجعل من الحياة وسيلة للعبادة الخالصة وليس غاية في حد ذاتها. كما أن الطريقة تعتبر وسيلة لتحرير الإنسان من شهواته و أهوائه بقراره الحُر، فتُربيه علي اليثار وتهذب شخصيته وفقًا لمبادئ الإيمان الصافية.

الطریقة والجهاد: دمج الروحانیة مع العمل الجاد

على الرغم من أن بعض الأشخاص قد اتهموا أهل الطريقة بالتخاذل عن العالم المادى، إلا أن تاريخ الطريقة يظهر العكس تماماً. مشايخ الطريقة لم يقتصروا على العبادات الروحية، بل كان لهم دور جاد في الجهاد. علی سبیل المثال، الشیخ عبد القادر الجيلانی قدس الله سره كان له دور عظیم فی تعزیز الإیمان والجهاد ضد الصلیبیین، وكانت مدرسه فی بغداد مركزًا إیمانیًا مهمًا. كما أن أهل الطريقة شاركوا في محاربة الأسبان والبرتغال وتعرضوا للاستشهاد في المعارك.

الطریقة: الإنسانیة والشمولیة

الطريقة تتميز بتوجه إنساني عالمي، حيث كانت منفتحة علي جميع الأديان والأجناس. قال الله تعالی: «وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِینَ» . فالطریقة لا تقتصر علی المسلمین فقط، بل تشمل كافة البشر، وتؤكد علی الوحدة الإنسانیة بغض النظر عن الدین یا العرق. وقد وسعت الطریقة آفاق الإسلام لتشمل جمیع التجارب الدينية الإنسانية، مما يحقق المجتمع المفتوح والمنفتح علي الجميع.

الطریقة فی القرآن: الدعوة للمحبة والتآخی

الطريقة الإسلامية، كما يوضح القرآن، هي الدعوة للتآخي والمحبة بين جميع الناس. أول نصّ قرآنى نزل كان «بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ» هذه الكلمات ليست مجرد بداية، بل دلالة علي جوهر الإسلام كدين يحرص على التعايش والمحبة جميع. من خلال هذا السياق، نجد أن الطريقة تعكس تعاليم القرآن في الدعوة الي السلام، والمحبة، والرحمة تجاه الجميع.

التصوف: فتح الافاق الإنسانية

التصوف فی جوهره یدعو إلی وحدة الإنسانیة، ویشمل كافة المعتقدات، مما یعزز من قیم التعایش المشترك. وتعتبر الطریقة إحدی الأدوات الروحیة لتحقیق هذا التعایش، من خلال توجيه المريدين نحو الأخلاق المحمدية التي تتمثل في التواضع، الصبر، الزهد، الجود، والصدق.