مقدمة
إن الطرق الصوفية تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مختلف جوانب الحياة الروحية والمادية، وهي تسعى لتحقيق أعلى درجات الاتصال بالله تعالى، وتعتبر الحركة في الذكر من الأمور التي تثير جدلاً بين بعض المسلمين، حيث يعتبرها البعض بدعة بينما يرى آخرون أنها وسيلة لزيادة التأثير الروحي. في هذا المقال، سنتناول قضية الحركة أثناء الذكر، وأثرها في التصوف، وما ورد في التراث الإسلامي حول هذا الموضوع.
الذكر والحركة: رؤية الأئمة والعلماء
في تفسيره لآية {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم}، أشار الإمام الألوسي في تفسيره “روح المعاني” إلى أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يذكرون الله في يوم العيد على أقدامهم، وأكد أن هذه الحركة جزء من التعبير عن السرور بالله، مما يعكس مشروعيتها في الذكر. وأضاف العلامة الكتاني في كتابه “التراتيب الإدارية” أن التمايل أثناء الذكر كان معروفًا عن الصحابة، حيث كان بعضهم يتحرك أو يتمايل أثناء الذكر كما يتمايل الشجر بفعل الرياح. وبالتالي، فإن هذا التمايل ليس بدعة بل هو جزء من الممارسة الروحية التي ثبتت عن الصحابة.
السنة النبوية والرقص في الذكر
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم ينكر على الحبشة الذين كانوا يرقصون في المسجد أثناء ذكر الله. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: “كانت الحبشة يرقصون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: محمد عبد صالح”، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل أقرهم على ذلك، مما يدل على أن الحركة أثناء الذكر لا تتعارض مع السنة النبوية. في الحديث: “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا”، يظهر أن السماع والاهتزاز أثناء الذكر يعتبر أمرًا مشروعًا، ويحث على الاستماع للذكر والتمتع به.
الصحابة واهتزاز الأرواح في الذكر
في الحديث عن الصحابة، وصف الإمام علي رضي الله عنه حال الصحابة عندما كانوا يذكرون الله، قائلاً: “لقد كانوا يصبحون صفراً شعثاً غبراً، بين أيديهم كأمثال ركب المعزى، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله يتراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح”. هذا الوصف يعكس حالة من الاهتزاز الروحي الذي كان يحدث بين الصحابة عندما يذكرون الله، مما يثبت مشروعية الحركة في الذكر من منظور روحاني.
التواجد في الذكر عند الصوفية
التواجد في الذكر يعني أن يتحرك الإنسان جسديًا في سبيل التعبير عن الروحانية التي يشعر بها، وهو أمر مشروع في التصوف إذا كان مع نية صافية. وقد أكد الإمام الجنيد رضي الله عنه أن “الذين يتواجدون في الذكر” لا حرج عليهم إذا كانوا في حالة تعبّد لله تعالى. وقد أشار أيضًا إلى أن التواجد من طبع الصوفية وأنه يعبّر عن لذة الروحانية التي يشعرون بها أثناء الذكر.
النقد والتصحيح
يُعترض البعض على التواجد والاهتزاز في الذكر بدعوى أنه ليس من السنة، لكن ما ورد من أحاديث وسير الصحابة والأئمة يظهر أن هذا الفعل كان شائعًا ومشروعًا. وتعد هذه الحركات جزءًا من التعبير عن الحب والمشاعر الروحية العميقة تجاه الله تعالى.
الحركة في الذكر: مشروعية وهدف روحاني
الاهتزاز والحركة في الذكر لهما أهمية روحية في تصفية القلب والروح. وقد أشار العلامة ابن عابدين إلى أن الحركة في الذكر ليست حرامًا إذا كانت عن نية صافية ولم تُرافق المعاصي. وأضاف أن السلوك الروحي في هذه الحالة يشير إلى حالة “الوجد” التي تصيب المريد عندما يغمره الذكر وتبدأ روحه بالاتصال بالله تعالى، مما يساهم في تطهيره وتطويره الروحي.
التواجد في الذكر: الفوائد الروحية
من خلال الذكر والتواجد أثناءه، تتجلى الروح بشكل كامل، ويشعر المريد بالارتباط بالله تعالى بشكل أعمق. هذا التواجد في الذكر يساعد في تهذيب النفس ويجعل الشخص قادرًا على الخروج من حالة الارتباط بالأمور الدنيوية إلى حالة من الصفاء الروحي الذي يقوده نحو الفناء في الله.
خاتمة
في النهاية، نخلص إلى أن الحركة أثناء الذكر ليست حرامًا في الإسلام إذا كانت عن نية صافية، بل هي وسيلة فعالة لزيادة التأثير الروحي وتقوية العلاقة بالله تعالى. كما أن هذه الحركات تجد سابقة في سلوك الصحابة والتابعين، وما أقره النبي صلى الله عليه وسلم من أفعال في هذا المجال. إن الذكر، بأشكاله وحركاته، هو وسيلة لإحياء القلوب وتطهير الأرواح في الطريقة الكسنـزانية، ويجب أن يكون الهدف الأسمى من ذلك هو التقرب إلى الله عز وجل.