التكية في الطريقة
التكية هي بيت الذكر، وتعتبر من المراكز الروحية في جميع الأماكن التي توجد فيها. إنها تمثل الموقع الأساسي لانطلاق الطريقة وتوجيهاتها نحو الخير العام ونشر العمل الصالح بين المسلمين في كل مكان.
تُعد بيوت الذكر أو التكايا في عقيدة الكسنـزان الصوفية أحد أهم أركان الطريقة وذلك لما لها من فوائد وثمار ظاهرة وروحية لا يمكن حصرها في حياة المسلم السالك لنهج الطريقة. لهذا السبب، دأب مشايخ الطريقة (قدس الله أسرارهم العزيزة) على بناء التكايا والاعتناء بها في كل مكان وزمان ما أمكنهم ذلك، كونها جزءاً من الميراث الصوفي المحمدي الذي تناقلوه من شيخ إلى شيخ.
الإشارة القرآنية لمصطلح التكية
إن أصل التوحيد في الإسلام هو ذكر كلمة “لا إله إلا الله”، ولما كانت التكايا هي الأماكن المخصصة لهذه الطاعة، أي ذكر الله في كل وقت، وكذلك أداء الصلوات المفروضة والمسنونة كما تبين، كانت هي بحق بيوت الذكر المشار إليها في القرآن الكريم في قوله تعالى: “في بُيوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ…” (النور: 36).
وعلى هذا، فإن التكايا وبتعريف القرآن الكريم لها هي بيوت للذكر، أقيمت بإذن الله جل وعلا لكي تُمارس فيها جميع الشعائر والطقوس الإسلامية التي من شأنها الارتقاء بالمسلم إلى أعلى مراتب الكمال الإيماني، مما يؤهله في النهاية للتقرب من الله تعالى.
الإشارة النبوية لمصطلح التكية
تتعدد الأصول النبوية لمصطلح التكية في السنة المطهرة، حيث يمكن الرجوع إليها واستنباط معانيها من عدة أحاديث. نختار من هذه الأحاديث قوله ﷺ: “إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا”، فسُئل: “وما رياض الجنة؟”، فقال ﷺ: “حلق الذكر” (صحيح مسلم). معلوم أن حلق الذكر في الإسلام هي بيوت الذكر، وبالتالي فالتكايا تُعتبر رياض الجنة في الأرض. وأيضًا، قوله ﷺ حاكياً عن ربه عز وجل: “لا إله إلا الله حصني فمن دخله أمن عذابي”.
بذلك، بما أن التوحيد الخالص يُعتبر حصن الله، وكانت التكايا هي أماكن إقامة هذا التوحيد، فإن هذا يُعد أصلاً آخر لمشروعية التكية في الإسلام. فإذا اعتكف العبد السالك في رحاب التكية بقلب وجل وهمة عالية، سيكون في حصن الله، وفي حضن رحمة الله الواسعة، وفي عين رعاية الله التي لا تنام.
أقوال السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزان حول التكية
وفقًا للشيخ محمد المحمد الكسنزان، التكية هي مكان الذكر، مكان يتجلى فيه رحمة الله، حيث يقول تعالى: “أنا جليس من ذكرني”. التكية هي مكان التكلم مع الله من خلال الذكر، وليست مكانًا للكلام الدنيوي أو السياسي. إنها مكان الوحدة والتوحيد، وهي مدرسة روحية تهدف إلى تعليم المريدين التقرب إلى الله، وتهيئة أرواحهم للوصول إلى مراتب الولاية عند الله تعالى، والانتقال إلى مرتبة الخلود.
التكية هي مدرسة إصلاحية روحية يُلَقّن فيها الإيمان والاستقامة من خلال تعليم عملي. هي مدرسة تربوية أخلاقية تهدف إلى تزكية النفوس وتطهير القلوب من أدرانها، بالإضافة إلى كونها مدرسة دينية لتعليم أمور الدين وفقًا للشريعة الإسلامية والتصوف. تعد أيضًا مدرسة إرشادية تهدف إلى تعليم المريدين أصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. التكية هي البيت الحقيقي للمريد، حيث تربطه بالآخرة وتدفعه للاستعداد لها.
وفي النهاية، هي الجنة، بمعنى المكان الذي تتجلى فيه الجنة برياضها وجمالها ونعيمها.
التكية: أول بيت وآخر بيت للمريد
كما يقول الشيخ، التكية هي أول بيت يذهب إليه المريد عندما يريد الرجوع إلى الله تعالى، وآخر بيت يصل فيه المريد إلى مبتغاه، فلا يحتاج إلى بيت آخر بعد ذلك. وهي مكان الجود والكرم والسخاء النبوي، حيث تمثل موضع حلقات الذكر، وتُعتبر أماكن لاستجابة الدعاء، كما ورد في قوله تعالى: “لَكُمْ فيها ما تَشْتَهي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فيها ما تَدَّعونَ” (فصلت: 31).
التكية هي مكان تجلي الأمان الروحي الإلهي، ولهذا يجب على المريدين الحضور إليها باستمرار لكي تنجلي قلوبهم بذكر الله، بنور الله.
التكية: مكان التجلي الإلهي
تُعتبر التكية مكانًا للتجلي الإلهي، حيث يفتح الله على قلوب المريدين أنوارًا من رحمته. وفي هذا المكان، يحدث التجلي الإلهي الذي يقوي الإيمان ويعزز التقوى في قلوب السالكين.
التكية والقلب
التكية ليست فقط مكانًا ماديًا، بل هي القلب ذاته. فإذا أصبح القلب خاليًا من كل شيء سوى ذكر الله تعالى، فإنه يصبح بمثابة تكية روحية يتجلى فيها النور الإلهي والحقائق المحمدية ﷺ.
التكية وعلاقتها بأهل البيت عليهم السلام
في تفسير قوله تعالى: “في بُيوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيها اسْمُهُ”، سُئل رسول الله ﷺ: “أي البيوت هذه؟”، فأجاب ﷺ: “بيتي وبيت فاطمة وعلي”. هذه الإشارة تعني أن التكايا وبيوت آل البيت هي أماكن لرفع ذكر الله، حيث يستمر رفع ذكر الله في هذه البيوت إلى يوم القيامة. ومن هنا فإن التكايا التي هي بيوت الله يجب أن يتولاها آل البيت، لكونهم أهل الذكر وخاصته، وفيهم نزلت آيات الذكر.
تاريخ نشأة الخوانق في الإسلام
انتشرت الخوانق في بلاد الفرس والشام ومصر في القرن الرابع الهجري، وكانت تُخصَص لأهل التصوف، حيث يمارسون فيها العبادة والتذكر. كانت تبنى في الغالب في المدن والحواضر، على نمط المساجد، لكنها كانت تحتوي على غرف للفقراء والصوفية، حيث كانوا يؤدون أذكارهم وأورادهم.
من أشهر الخوانق:
- خانقاه سعيد السعداء: التي أنشأها السلطان صلاح الدين.
- الخانقاه البيبرسية: التي بناها المير ركن الدين بيبرس في 709 هـ.
- خانقاه قوصون بالقرافة.
- خانقاه شيخو التي أنشأها الأمير سيف الدين شيخو العمري في 757 هـ.
خلاصة
التكية تمثل المكان الروحي الذي ينغمس فيه المريد للذكر، ويُعد بيتًا لله يتحقق فيه التوحيد. هي مدرسة روحانية ومركز ديني، تساهم في تزكية النفوس و تطهير القلوب. إلى جانب كونها مركزًا لتجلي الأمان الروحي الإلهي والتجلي الإلهي ذاته. تعد التكية مكانًا للذكر والتوحيد، وبداية ونهاية للطريق الروحي للمريدين السالكين في طريق الله تعالى.
المصادر:
السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني – موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوف والعرفان