مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، سيدنا محمد، الذي أرسله الله هداية ورحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فإن الشيخ محمد الكسنزان الحسيني قدس الله سره هو شيخ الطريقة العلية القادرية الكسنزانية في العالم، ومُعلم من أعلام العراق والعالم الإسلامي. لقد تميز الشيخ محمد الكسنزان بقدراته الروحية والعلمية، ولعب دورًا بارزًا في تعزيز الفكر الصوفي والتربوي في جميع أنحاء العالم، وهو ليس مجرد شيخ طريقة صوفية بل مرشد فكري وديني ذو مكانة عظيمة.

نسبه وأصله

ينحدر الشيخ محمد الكسنزان من أسرة حسينية هاشمية طاهرة، تمتد جذورها من الشجرة المحمدية المباركة، حيث يعود نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والسيدة فاطمة الزهراء، بنت رسول الله ﷺ. إلى جانب نسبه الشريف، فهو ينحدر من فرع العائلة الكسنزانية التي أسسها جده الشيخ عبد الكريم الكسنزان، الذي أُطلق عليه لقب “الكسنزان” نظرًا لروحانيته العميقة وانقطاعه عن الناس في خلوته من أجل عبادة الله سبحانه وتعالى.

ولادته ونشأته

وُلد الشيخ محمد الكسنزان في قرية كربجنة التابعة لناحية سنكاو من محافظة كركوك في شمال العراق، في الرابع عشر من شهر صفر عام 1358 هـ (الموافق للخامس عشر من أبريل 1938م). نشأ في بيئة روحانية تزخر بالأخلاقيات العالية والمعرفة الواسعة، حيث تربى في أكناف كبار مشايخ الطريقة الكسنزانية، وكان والده الشيخ عبد الكريم الكسنزان قدس الله سره، شيخ الطريقة في تلك الفترة.

دراسته وتعلمه

أخذ الشيخ محمد الكسنزان الطريقة عن والده، وتعلم علوم التصوف على يد مشايخ عصره. كما أنه جمع بين الدراسات الدينية والعلمية. تلقى تعليمه على يد كبار علماء عصره في مدرسة كربجنة الدينية، ودرس العلوم الشرعية واللغوية العربية، كما استمر في إثراء معرفته من خلال كثرة المطالعة والمراجعة للكتب والمخطوطات في المكتبات العامة. لقد كان للشيخ محمد الكسنزان مكتبة علمية نادرة حوت آلاف الكتب والمخطوطات التي جمعها بصعوبة، فاستفاد منها في تعزيز معرفته وتطويرها.

مشيخته ومسؤوليته

في عام 1398 هـ (1978م) تولى الشيخ محمد الكسنزان مشيخة الطريقة الكسنزانية خلفًا لوالده الشيخ عبد الكريم الكسنزان قدس الله سره. عُين شيخًا للطريقة بقرار من جده الروحي، وتحققت نبوءة جده عن أن الشيخ محمد سيكون إمامًا للطريقة وله سلطان روحاني واسع. وقد تميز الشيخ محمد الكسنزان بحكمته وسعة صدره، وعرف بقدرته على التأثير الروحي في قلوب مريديه، إذ جذبت شخصيته الفريدة العديد من الأشخاص الذين سلكوا طريق التصوف على يديه.

إنجازاته العلمية والروحية

كان للشيخ محمد الكسنزان العديد من الإنجازات العلمية والفكرية. فمنها تأسيسه للمكتبة العلمية التي جمع فيها المخطوطات والكتب القيمة. كما أسس كلية الشيخ محمد الكسنزان التي تضم أقسامًا علمية متنوعة، منها علوم الشريعة والتصوف، وقانون وفلسفة، وغيرها من المجالات. وفي سياق تحقيقه للعلم الشرعي، اهتم الشيخ بتوثيق وتصنيف المعارف الصوفية في موسوعته “موسوعة الكسنزان”، والتي تتناول جميع المصطلحات الصوفية والعرفانية.

الكرامات والخوارق

عُرف الشيخ محمد الكسنزان بكراماته العديدة، التي كان يتجنب الحديث عنها تواضعًا. لكن لم يكن ينكر ذلك من خلال أفعاله أو تصرفاته في مواقف معينة، مثل إجابة الدعاء، أو في حالات الشفاء من الأمراض المستعصية. لقد كان الشيخ محمد يولي اهتمامًا كبيرًا للتربية الروحية، وكانت أعظم كراماته بالنسبة له هي استقامة المريدين في اتباع سنة رسول الله ﷺ، وتحقيق التقوى والورع في حياتهم.

مواقفه الوطنية والدينية

تعد مواقف الشيخ محمد الكسنزان السياسية والوطنية من أبرز صفاته. فقد كان له دور بارز في توحيد الصفوف داخل العراق، حيث قام بتأسيس “المجلس المركزي للطرق الصوفية في العراق”، وذلك في وقت كانت البلاد بحاجة إلى توحيد الأمة الإسلامية في مواجهة التحديات المختلفة.

موقعه الإلكتروني والمستقبل

كان للشيخ محمد الكسنزان رؤية مستقبلية للمجتمع الصوفي في العالم، فأنشأ موقعًا إلكترونيًا يعكس التوجهات الروحية المعاصرة للتصوف. وقد قام بتوجيه اهتمامه إلى ضرورة التفاعل مع العالم الرقمي، لتسويق الثقافة الإسلامية الروحية من خلال استخدام الوسائل العصرية للوصول إلى جمهور واسع.

ختامًا

الشيخ محمد الكسنزان قدس الله سره ترك بصمة واضحة في مجال التصوف والفكر الإسلامي، ووسع دائرة تأثيره على الصعيدين المحلي والدولي. ومن خلال جهوده، أسس نهجًا في التصوف يتسم بالاعتدال والوسطية، مع التركيز على العلوم الشرعية والفكر الروحي.