باب العلوم الروحية ومفتاح السلاسل الصوفية

أضاف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث آخر: “أنا مدينة الحكمة وعلي بابها”، وفي رواية أخرى: “أنا دار الحكمة وعلي بابها”【3】.

هذه الحكمة، كما يرى شيخنا السيد الشيخ الخليفة محمد المحمد الكسنزان (قدس الله سره)، هي العلم اللدني الذي يصل إلى قلب العبد مباشرة من الحق سبحانه وتعالى. وهذه الحكمة تأتي عبر الالهام، وينابيعها تتدفق من قلب العبد الملهم على لسانه، ليعطيها في الوقت المناسب للشخص المناسب، كما قال تعالى: “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتِ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ”【4】.

مقام الإمام علي (كرم الله وجهه) في علوم الباطن

تأكيدًا على هذا المعنى، ذكر صاحب “فيض القدير” شرح “الجامع الصغير” قائلاً: “إن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة، فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها.”

وقد أضاف حديث آخر، قائلاً: “عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسؤل عن علي كرم الله وجهه فقال: {قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءًا واحدًا}”【5】.

الإمام علي (كرم الله وجهه) وولاية أهل الطريق

إجماع أهل الطريقة على الإقرار بمقام الإمام علي (كرم الله وجهه) في سلاسل الطرق الصوفية يدعونا إلى التأكيد على أن جميع السلاسل الصوفية يتصل سندها الروحي بالإمام علي (كرم الله وجهه). كما أكد ذلك الإمام الجنيد قدس الله سره قائلاً: “رضوان الله على أمير المؤمنين علي، لولا أنه اشتغل بالحروب لأفادنا من علمنا هذا معاني كثيرة، ذلك امرؤ أعطي العلم اللدني”【6】.

الإمام علي (كرم الله وجهه) والعلم اللدني

ينقل الشيخ الأكبر ابن عربي في “الفتوحات المكية” عن الشيخ الجنيد البغدادي قدس سره قوله: “لا يبلغ أحد درجة الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق بأنه زنديق”، مشيرًا إلى علم الإمام علي (كرم الله وجهه) في المقامات الروحية.

الربط بين التصوف والإمام علي (كرم الله وجهه)

الشيخ محمد بن يحيى التادفي ذكر أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال له: “يا بني لم لا تتكلم؟” ثم طلب منه أن يتحدث إلى الناس. وعندما شعر بالتردد، ظهر له الإمام علي (كرم الله وجهه) وقال له: “افتح فاك”، ومن هنا يظهر ارتباط الإمام علي بالعلوم الروحية وكيف أن علمه اللدني قد كان أساسًا لإلهام العديد من الأقطاب الصوفية.

التصوف والولاية الروحية

يذكر الحرالي في “اللمع” أن سلسلة أهل الطريق تنتهي إلى الإمام علي (كرم الله وجهه) باعتباره رأس العارفين، وله أقاويل وأسرار لم يقلها غيره. وهذه الحقيقة أكدها الشيخ الأكبر ابن عربي في “الفتوحات المكية” قائلاً: “فإن كان معنى لابد أن تظهر له صورة محسوسة، وهو أيضاً يعني علي بن أبي طالب، أرفع عارف في الدنيا.”【13】

الإمام علي (كرم الله وجهه) ورؤيته الصوفية

لقد أشاد العديد من الأئمة الصوفيين بمقام الإمام علي (كرم الله وجهه) في التصوف، وأكدوا أنه أول من تكلم في علم الحقيقة وأظهره. كما أكد الشيخ أحمد زروق رضي الله عنه أن عليًا كرم الله وجهه هو إمام الصوفية وأكبرهم، وله العلم اللدني الذي خصه الله تعالى به.

خاتمة

في الختام، يظهر أن الإمام علي (كرم الله وجهه) لا يمثل فقط الشخصية القتالية الباسلة بل هو أيضًا رأس الولاية الروحية، مرشد للأمة في العلم اللدني والتصوف.