السماع في الطريقة الكسنزانية
السماع هو تلقي الأصوات بكل أنواعها عبر الأذن، حيث تنتقل الموجات الصوتية من مصادرها الأساسية مثل الطبل والدف والآلات الموسيقية الأخرى. إن النفس البشرية تميل بشدة إلى الأصوات العذبة، خاصة في أوقات حلقات الذكر أو قراءة القصائد أو المدائح النبوية الشريفة. وعندما يكون الصوت عذبًا وحلوًا، ويؤدى القصيد بأسلوب مؤثر، فإن النفوس سرعان ما تنجذب إلى الانفعال الروحي، ويصاحب هذا الانفعال تأثيرات روحانية عميقة.
تأثير السماع على النفوس:
حينما يكون الصوت عذبًا ومنغماً، وسلسًا في التأدية، تتأثر النفوس بسرعة، ويشعر المريد بحالة من الطرب الروحي الذي ينتج عن الذكر وحضور المشايخ. ويتحقق هذا الطرب الروحي من خلال تفاعل الأرواح مع بعضها البعض، فالمريد يدخل في حالة من الغبطة والحضور الروحي، حيث يتنقل بين عوالم جديدة مليئة بالسلام الروحي. كما جاء في القرآن الكريم: **(فرحين بما آتاهم الله)**【1】، ويتمايل المريدون ويسبحون في عالم علوى، كما أشار في الآية: **(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)**【2】.
تجربة الرسول ﷺ مع السماع:
إن أهمية السماع تتجلى في تفاعلات الرسول ﷺ عند سماعه للقصائد الدينية، حيث تمايل جسده الشريف، وسقطت بردته عندما سمع الأبيات التالية:
“يا من يحب أنين العبد والندم
يا من لديه دواء الداء والسقم
أم العيون وعين العبد ساهرة
تبكي ببابك وسط الليل في الظلم
لا تقطعن رجائي فيك يا صمدي
يا غافر الذنب للراجين بالكَرَم
ارحم بفضلك لا تنظر إلى عملي
إن الكريم كثير العفو عن خدم”
وعقب ذلك، نزل جبريل عليه السلام ليخبر الرسول بأن الله يقرؤه السلام ويطلب منه قطعة من البردة لتعليقها في العرش.
تعريف السماع من منظور أهل الطريقة
تعريف السماع:
تباينت آراء العلماء والمشايخ حول تعريف السماع في الطريقة الكسنزانية. فقد قال ذو النون المصري: “السماع وارد يزعج القلوب إلى الحق”، بينما قال الجنيد البغدادي: “السماع فتنة لمن طلبه وترويج لمن صادقه”. ووفقًا لمحمد بن علي الباقر عليه السلام، يعتبر السماع دليلاً على حياة القلوب، وهو إشارة إلى النقاء الروحي وارتفاع النفوس عن الشهوات.
السماع بين التقليدي والحقيقي:
- السماع التقليدي: يشير إلى ما يفعله الأشخاص الذين يحاولون تقليد الصوفية لتشابه أحوالهم الروحية، مما يؤدي إلى انفعالهم بأصوات السماع.
- السماع الحقيقي: ينشأ من الاستماع للكلمات التي تؤثر في القلب وتجعله يتناغم مع معانيها الروحية، كما ورد في قوله تعالى: **(فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)**【10】.
آراء مشايخ الطريقة الكسنزانية
آراء الشيخ عبد الوهاب الشعراني:
قسم الشيخ عبد الوهاب الشعراني السماع إلى نوعين:
- سماع تقليدي: يحدث عندما يحاول الشخص تقليد ما يفعله الآخرون في عالم الصوفية.
- سماع حقيقي: هو السماع الذي يؤثر في القلب ويرتقي بالروح، ويجب أن يكون فيه إشراك للقلوب الطاهرة في التأمل في الكلمات المتلقاة.
السماع في القرآن والسنة:
ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعم فكرة السماع وأثره الروحي، مثل قوله تعالى: **(الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)**【10】، مما يشير إلى الاستماع للأصوات الطيبة المقرونة بالمعنى الصحيح الذي يرفع الروح.
السماع في نظر الإمام الغزالي
مفهوم السماع عند الغزالي:
يفتتح الغزالي حديثه عن السماع فيقول: “دل النص والقياس معًا على إباحته”. فيؤكد أن السماع يجب أن يكون ممتعًا ويحفز العقل والفكر، وهو حلال إذا كان الصوت طيبًا وموزونًا. وقال: **”ما بعث الله نبيًا إلا حسن الصوت”**【3】.
تقسيمات السماع:
- الصوت الطيب: هو الذي يثير استجابة في القلب، ويشمل صوت الطيور والمزامير وأصوات الحيوانات.
- القياس: يشير إلى السماع الموزون الذي يثير اللذة في الإنسان، مما يجعله يتذوق الصوت الطيب ويستمتع به.
آداب السماع في الطريقة الكسنزانية
آداب السماع كما ذكرها الشيخ عبد القادر الكيلاني:
- الاستماع بصدق وادب: ينبغي على المريد أن يستمع للسماع بحضور قلب وتذكر لله.
- احترام الحضور: إذا كان هناك شيخ حاضر أثناء السماع، يجب على الفقير السكوت واحترامه.
- عدم الإكثار من الطلب: يجب على المريد أن يتجنب طلب التكرار من القارئ أو القوال.
- الهدوء والانتباه: يجب أن يكون السامع مصغيًا تمامًا إلى السماع، مع مراعاة سكون القلب.
خلاصة
إن السماع في الطريقة الكسنزانية ليس مجرد استماع للأصوات بل هو تفاعل روحي عميق يُساعد في رفع الروح وتنقيتها، وتوجيه النفس نحو المعاني السامية. ويُعتبر السماع وسيلة للتقرب إلى الله وتعميق الإيمان، وهو أمر مُستحب عند الصوفية شريطة أن يكون خاليًا من الشهوات المفرطة أو الانحرافات الروحية.