مقدمة
الطرق الصوفية هي المناهج الروحانية الخاصة بتطبيق الشريعة الإسلامية من خلال الاهتمام بالجانب الظاهر والباطن للإنسان. تسعى كل طريقة صوفية إلى الوصول إلى الأهداف التي نزل بها الوحي من السماء، وطريقتنا الكسنـزانية لا تختلف عن ذلك بل تمتاز بأنها واحدة من أسرع الطرق في تسليك المريدين للوصول إلى أهدافهم الروحية، حيث تركز على أعلى مراتب المحبة الخالصة لله تعالى.
هدف الطريقة الكسنـزانية: الفناء في المحبة الإلهية
أحد أهم أهداف الطريقة الكسنـزانية هو توجيه مريديها للوصول إلى المحبة الإلهية المطلقة، التي تمثل الفناء في الحضرة الإلهية وتحقيق مراتب الفناء في ذات الله تعالى. وهذا الفهم الروحي يتماشى مع قول الله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبّونَهُ} (المائدة: 54). وقد رسم مشايخ طريقتنا قدس الله أسرارهم الطريق الشرعي العملي الأقصر للوصول إلى هذا الهدف العظيم من خلال اتباع نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.
المحبة في القرآن والسنة
تنطلق المحبة في الطريقة من الفهم الصحيح لقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: 31)، حيث أن محبة المسلم لله تعالى لا تكون مجدية ما لم تقترن باتباع رسول الله ﷺ. هذا الاتباع هو السبيل للوصول إلى مرتبة المحبوبية، التي تجعل المسلم من أحباب الله. إذن، المحبة الحقيقية لله لا تتحقق إلا عبر اتباع رسول الله ﷺ، وإذا لم يكن ذلك، فإن المحبة تكون محبة صورية وليست حقيقية كما ذكر الله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (البقرة: 9).
الاتباع الكامل لرسول الله ﷺ
أكد الله تعالى على أهمية اتباع النبي ﷺ في قوله: {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} (الأحزاب: 6). الصحابة الكرام جسدوا هذا الاتباع الكامل للنبي ﷺ في كل تفاصيل حياتهم، حيث كانت حياتهم وأرواحهم فداءً له. هذه القدوة النبوية تمثل حجر الأساس في الطريق إلى المحبة الإلهية.
الفناء في المحبة
يعد الفناء في محبة النبي ﷺ الهدف الأساسي في الطريقة الكسنـزانية. فالفناء هنا لا يعني مجرد الفناء عن النفس، بل هو تحقيق لمرتبة العبودية الكاملة لله تعالى من خلال الفناء في حب رسوله ﷺ. الطريق إلى هذا الفناء يبدأ بتسليم الصحابي لرسول الله ﷺ في زمنه، ثم من خلال السلسلة المستمرة التي نقلها مشايخ الطريقة عبر الأجيال. وأدى هذا الفناء إلى أن يشعر المريد بنورانية النبي ﷺ في قلبه وسلوكه.
الطريق إلى محبة الله عبر محبة النبي ﷺ
الفناء في رسول الله ﷺ هو السبيل للوصول إلى محبة الله تعالى. وإذا كان من السهل اتباع النبي في زمنه، فإن هذه المحبة مستمرة إلى يوم القيامة من خلال شيوخ الطريقة الذين ورثوا أحوال التزكية والنورانية عن النبي ﷺ، وبالتالي يصبح المريد قادرًا على محبة الله بسبب محبته للنبي.
المحبة كوسيلة للعبادة والتسليم
المحبة في الطريقة الكسنـزانية هي الوسيلة التي تصل بالمريد إلى العبادة الحقيقية، حيث أن المحبة تعني التفاعل الروحي الحقيقي مع المحبوب. وكلما زادت محبة المريد لله ورسوله، زادت طاعته، وبذلك يصبح المريد في حالة دائمة من الذكر والحضور الروحي مع الله تعالى. وهكذا تصبح المحبة هي الوسيلة التي تُذلِّل الحواجز الروحية بين العبد وربه، ليتحقق المريد من الوجود الإلهي الكامل.
الذكر والمحبة في منهج الطريقة
في منهج الطريقة الكسنـزانية، يُعد الذكر أساسيًا للوصول إلى المحبة. من خلال الذكر الكثير، يتنقى القلب وتفتح أبواب المحبة للمريد. إن الذكر المستمر يُعد بمثابة نافلة يقصد بها المريد الوصول إلى المحبة، حيث يصفو قلبه ويستعد لاستقبال الإشعاعات الروحية التي تملأ كيانه. هذه الإشعاعات النورانية تجعل المريد يشعر بالقرب من الله ويهبه القدرة على التحقق بالكثير من الحقائق الغيبية.
المحبة والطاعة
تعتبر المحبة أيضًا وسيلة للوصول إلى الطاعة الكاملة لله ورسوله، وهي الطريق إلى تحقيق الشريعة الإسلامية في الظاهر والباطن. فإن المحبة هي القوة التي تدفع العبد إلى طاعة المحبوب دون تردد أو غفلة. الطاعة الحقيقية لا تأتي من مجرد القيام بالأعمال دون قلب حاضر، بل تكون مليئة بالحضور الروحي مع الله.
خاتمة: المحبة كوسيلة للوصول إلى الفناء في المحبوب
في النهاية، تُعتبر المحبة في الطريقة الكسنـزانية هي الطريق الأساسي للوصول إلى الفناء في حضرة المحبوب. الفناء هنا يعني أن المريد يذوب في نور المحبة حتى يصبح كل شيء فيه مرتبطًا بالله ورسوله ﷺ. وكلما تزايدت محبته، زادت معرفته بالله وتحقيقه للوصول إلى درجات عالية من القرب الروحي.