ولادته ونشأته

وُلد السيد الشيخ عبد الكريم الكسنزان قدس الله سره في عام 1235هـ (1815م) في قرية كسنزان التابعة لناحية قره داغ في محافظة السليمانية شمال العراق. وُلد في أسرة دينية عريقة، وكان ينحدر من سلالة آل البيت الطاهر، حيث تلتقي شجرة نسبه بالنبي محمد ﷺ عبر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام.

لقبه: شاه الكسنزان: وتعني (سلطان الغيب).

طريقته

السيد الشيخ عبد الكريم الكسنزان قدس الله سره نشأ على يد خاله السيد الشيخ عبد القادر قازان قاية، الذي علمه الطريقة العلية القادرية التي سميت لاحقًا بالكسنزانية نسبة إليه. كان قدس الله سره مثالًا للزهد والعبادة، حيث اهتم بتربية نفسه وصقل روحه بالطريقة الصوفية الرفيعة التي أخذها عن شيوخه ومرشديه، وطبقها عمليًا في حياته اليومية.

بداياته

منذ شبابه، بدأ السيد الشيخ عبد الكريم الكسنزان قدس الله سره ممارسة مجاهداته الروحية في عزلة تامة. اعتكف في جبل سه ركرمة، حيث اختفى عن الأنظار لمدة أربع سنوات كاملة. في تلك الخلوة، كان يقتات على ورق النباتات وقطع الطين النقية، بينما يظل نهاره مشغولًا بذكر الله تعالى وقيامه في الليل، ساجدًا وراكعًا في خشوع وعبادة. ظل سر اختفاءه مكتومًا حتى كشفه الله على أخيه، الذي توجه إلى الجبل ليرى حاله. وعندما رآه، أخذه على عجل ليسأله عن طعامه، فأجابه الشيخ قدس الله سره بتناول قطعة من الطين المخلوط بورق الشجر، فتعجب الأخ من طعمها الذي شعر فيه بحلاوة غير مسبوقة، وظل الشيخ مكتفيًا منها لأسبوعين.

كراماته

كان للسيد الشيخ عبد الكريم الكسنزان قدس الله سره العديد من الكرامات التي عُرفت وشهد عليها المريدون. من أبرزها:

  • في وقت قحطٍ شديد، كان الناس يعانون من الجوع. ذهب الشيخ مع ابن أخته لشراء الشعير من قرية مجاورة، وعندما تحدث ابن أخته قائلاً: “يا خالي، أنت من أقطاب دهرك، فلماذا لا تطلب من الله أن يغنينا في هذا العام؟”، فأشار الشيخ بعصاه إلى حجر في الطريق، فانشق الحجر وخرجت منه ليرات ذهبية. لكن الشيخ قدس الله سره ردها وقال: “يا بني، الشعير يكفينا ولا يكفينا الذهب.”
  • في مرة أخرى، ذهب الشيخ إلى برزنجة لزيارة أجداده، وهناك استقبله علماء المنطقة. علق أحدهم في نفسه قائلاً: “كيف يكون الشيخ عبد الكريم شيخًا بلا لحية؟” فأجاب الشيخ قدس الله سره في الحال قائلاً: “يا ملا، اللحية ليست هي الأصل في العبادة، بل العبادة تكون في إخلاص النية لله عز وجل.”
  • وكان له موقف مع درويش زاهد طلب أن يرى النبي ﷺ في المنام. فذهب معه إلى كهف في الجبل حيث كانت مليئة بالذهب. لكن الشيخ قدس الله سره أخبره أن المال ليس هو الذي يطمح إليه المؤمن الزاهد، وأكد له أن الغنى يكمن في الرضا. وفي تلك الليلة، رأى الدرويش النبي ﷺ الذي دعاه قائلاً: “ادن مني، أنت ابني الكريم.”

زهده وورعه

كان الشيخ عبد الكريم قدس الله سره معروفًا بشدة زهده وورعه. كان يقتصر على أبسط متطلبات الحياة ولا يهتم بتراكم المال أو المتاع. فقد حرم على نفسه شرب الماء من قرية كانت قد اغتصبها أحد الإقطاعيين، ورفض أن يستخدم ماءها رغم توفره، مفضلاً أن يذوب الثلج ليشرب منه طوال سنواته التي قضاها في إيران.

وفاته

انتقل السيد الشيخ عبد الكريم الكسنزان قدس الله سره إلى جوار ربه في عام 1317هـ (1899م) بعد أن ترك إرثًا عظيمًا من العلم الروحي والكرامات. وقد خلف مشيخة الطريقة بعده أخوه السيد الشيخ حسين الكسنزان قدس الله سره. دفن في قرية كربجنة شمال العراق، حيث كان مكان إقامته وتجمع المريدين.